بادئ ذي بدء، أرجو أن تحسن الظن بالفقير إلى الله، «كاتب المقال»، والمستغني به عن جميع عباده، فهو ليس محسوباً على فلان ضد علان، ولا يقف في صف سين ضد صاد، وإن كان لي أن أقول رأيي الشخصي المتواضع فيما يحدث على الساحة الآن، فكل جوارحي ومشاعري مع حرية التعبير، والتي تمارس عبر وسائل التواصل الاجتماعي «المغردين»، ولكن في الآن نفسه لا أقبل التطاول والتجريح والتراشق بالألفاظ، وإلقاء التهم جزافاً في حق أي شخص أو استخدام التحقير والإهانة والنيل من قيمة الإنسان وذاته، وهذا الأمر، أتصور لا يختلف عليه اثنان أسوياء، فمن آداب الاختلاف ألا يقع أحد من المختلفين في فخ الهجوم على الطرف الآخر، الأمر الذي قد يصل إلى التطاول الشفوي أو المادي.
هذا أول مهم، أما ثاني مهم، فلا يوجد في العرف ولا في القيم الإنسانية ولا في الفلسفة الوجودية الأحادية ما يسمى بالحرية المطلقة، بل الحرية لا تكون إلا مقيدة، فالحرية المطلقة نسبها ديكارت ونيتشه وغيرهما آخرون للكيان الإلهي وحده.
لكن حديثي هذا، ليس هو مفصل القضية، ولا لب المقال، بل هو يتمحور حول حالة المناوشات والخلافات وليس الاختلافات، والتي تطرأ بين فينة وأخرى على السطح، وتحاول أن تشغلنا عن قضايانا الأهم، وتجرنا بعيداً لحروب شخصية، وكأن هناك من يتعمد ضربنا ببعض، «لحاجة في نفس يعقوب»، أو خلق حالة من البلبلة بين صفوفنا وإشغالنا بتوافه الأمور لصالح مجموعة تكيد بالبلد وتسعى للإضرار به.
وهذا ما يجعلني أطرح سؤالي القاتل: لماذا نحن دائماً في خلاف مع بعضنا بعضاً، فيما المتآمرون والماكرون والكذبة من أتباع مسيلمة، قلوبهم متآلفة وأياديهم متكاتفة، لم نسمع قط أن خلافاً دب بينهم؟!
والله إنهم أكثر الفرحين بخلافاتنا فيما بيننا، بل إن بعضهم فرحته أكبر من بشارته بمولود، فارحمونا من مناوشاتكم فالبلد مقبل على أزمة..
نعم أنا أعني ما أقول، واعذروني، فالهرج والمرج الذي نعيشه اليوم، بسبب القضايا المقدمة من الأمانة العامة لمجلس النواب ضد بعض المغردين، والذي طال الحديث فيه -ومع احترامي للجميع- ليس في صالحنا، والغريب في الأمر، أن الكل زج بأنفه في الموضوع، حتى المتصيدين في الماء العكر دخلوا طرفاً في القضية، وأعلنوا عن نياتهم ونواياهم الخبيثة للتضامن والدفاع عن المغردين.
لا يا (....) وفر خدماتك للمخربين..!!
للأسف، يوم أمس وقبله وأوله وتاليه، انشغلنا واشتغلنا بأمور أخرى، لم تكن أساساً أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، فيما البلد واقعة في إشكالية جديدة، وهي إشكالية اقتصادية لا تقل خطورة عن الإشكالية التآمرية التي ألمت بها في 2011، فإن كانت الإشكالية التآمرية قد هددت استقرار الوطن حينذاك، فالإشكالية الاقتصادية اليوم، باتت تهدد استقرار الوطن وتستهدف قوت المواطن.
اسمحوا لي، العبد الفقير بطبعه صريح زيادة عن اللزوم، ورغم أن صراحتي قد تبدو مؤلمة قليلاً، لكن أفضل بكثير من مجاملة كاذبة تخلفها صدمة مؤلمة، فإذا كنا نبحث عن دور حقيقي لنا كمواطنين واعين في قضايا البلد المفصلية ومشاكلها الأزلية، كالفساد والمحسوبية والشللية، فعلينا أن نرتقي بآرائنا ونقاشاتنا ونحصر مشاكلنا في الأهم ثم المهم!!
نعم، هناك قضايا أهم، كتفاقم الدين العام والذي من المقرر أن يزيد وقد يتسبب في تراجع التصنيف الائتماني للمملكة، هناك قضية المساس بحقوق المتقاعدين وهو ما تعمل عليه الحكومة حالياً، مما يستوجب من المجتمع والذي يطالب أن يكون شريكاً في القرار، التركيز على هذه القضية المهمة، لأن تعديل القانون، ومن ثم إقراره، من شأنه أن يتسبب بنتائج كارثية وسيظلم شريحة كبيرة من المواطنين.
هناك قضية أخرى تستلزم من المجتمع الواعي التطرق لها وهي مشكلة الإسكان، فحسب علمي الوزارة بدأت تعيد تقييم الطلبات القديمة وفق معايير جديدة قد تتسبب في حرمان العديد من المواطنين من حقهم في الحصول على مسكن ملائم.
هناك أيضاً قضية البطالة وتفاقم عدد العاطلين عن العمل، فخريجو الجامعات «والذين صرف عليهم أهاليهم دم قلبهم» باتوا في البيت بدون عمل.
ولا تنسوا قضية غلاء الأسعار، وما سيحدث في رمضان، كحال كل عام، وغيرها من مشكلات وقضايا أخرى متصلة بمعيشة المواطنين، انشغالنا عنها، ومن ثم تركها بيد الحكومة تقرر فيها كما تشاء، سيجعلنا نذرف دموع الندامة، حينها لن يفيد البكاء ولن يعيد اللبن المسكوب إلى الكوب أو للوعاء مرة أخرى.