نهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الحياة والتعامل مع كل شريحة وفئة تغني عن الكثير من الورش التدريبية والمحاضرات التي تحث على التنمية الأسرية، وعلى ترابط المجتمع، لما في سيرته الكريمة من نماذج سلوكية وقولية عظيمة، وعندما كنت أستعرض بعض التغريدات على «تويتر»، شدني حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا أنفق الرجل على أهلِهِ يحتسِبها فهو له صدقة»، وكأني أسمع الحديث الشريف لأول مرة، «والمعنى في قلب الشاعر»، يحتسبها صدقة، أي يقصد بها وجه الله، وطلب الثواب من الله عز وجل من ذلك، وهذا دليل على أن أي عمل فيه الخير، يراد به وجه الله حتى وإن كان الإنفاق على الأهل، بالرغم من وجوبية إنفاق الأب على أهله وأولاده، إلا أن الله جعل في الإنفاق الخير الكثير للمنفق.
من الأشياء الجميلة عند البعض أنه لا يدخل على أهله وعياله إلا ويحضر لهم شيء من الطعام، ولو القليل، خصوصاً الأجداد الذين لا يدخلون على عيالهم وأحفادهم إلا ببعض الطعام الذي يسعدهم، حتى وإن كان أكياس «شيبس»، وبعض الحلويات، والنقود البسيطة، وبالرغم من أن الإنفاق على الأهل والعيال واجب، إلا أن ذلك ينمي العلاقات بين الأسرة الواحدة، ويكون الشخص لأبنائه القدوة الصالحة، ويبين لهم محبته لهم كنوع آخر من الاهتمام بهم، بل أن الإنفاق على الأولاد هو ادخار ليوم يحتاج فيه الأب أبناءه عندما يكبر، وهناك فرق بين الرعاية التي يجبر بها والرعاية النابعة من القلب، مثلها مثل الإنفاق، فالمجبور على الإنفاق ليس كمن يصرف على أهله وهو راضٍ أن ذلك حقهم لا نزاع فيه.
والرجال أشكال وفئات في الإنفاق، نموذج ينفق على أصدقائه أكثر مما ينفق على أولاده، فتراه دائماً يدعو أصدقاءه لتناول الطعام على حسابه، ويهمل أن يدعو أسرته لتناول الطعام خارج المنزل، ولربما يكتفي مرة في الشهر، بحجة أنه يشتري لهم «الماجلة»، وهناك نوع من الرجال لا يصرف على أولاده أبداً إذا كانت زوجته تعمل، يخرج ويدخل البيت «على أساس أن البيت فندق وليس فيه اوادم تنتظره وتسعد بالجلوس معه»، فهذا الرجل يصرف راتبه على سعادته، وينفق راتبه على كشخته ورزته او ربما ينفق ماله على اشخاص لا يحق له ان يصرف عليهم، اما زينة الرجال فهم عندما يكون مقياسهم في التعامل مع أسرهم هو «الأقربون أولى بالمعروف»، والمعروف يشمل كل شيء يشمل الإنفاق والجلوس معهم، حسن التعامل مع زوجته وأولاده وأمه وأخواته وأخوانه، وهذا النوع من الرجال يساير قول الرسول عليه السلام «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، صدق رسول الله، عليه الصلاة والسلام، ما أجمل قوله.
فئة أخرى من فئات المطلقين، رجال يتهربون من الإنفاق على أولادهم ولا يصرفون عليهم أبداً، وكأن العيال هم عيال الجيران، وليسوا أولاده، متجاهلين بأنهم محاسبون أمام الله قبل أن يحاسبهم القانون، وهذه الفئة أسوأ من خلق الله، البخيل على أولاده في الفلس الواحد، أما الأب الظالم فهو من يصرف على أولاده من الزوجة الثانية أكثر من أولاده من الزوجة الأولى، متناسياً أن العدل بين الأبناء أساس التربية، وهناك فئات كثيرة من الرجال لا يعلم بها إلا الله سبحانه، ولن يحاسبهم إلا الله على الإهمال المقصود.
عموماً الإنفاق على الأهل والأولاد واجب على رب الأسرة، وهو محاسب أمام الله على التقصير إن وجد، سنة الحياة الزوجية أن ينفق الأب على أولاده، وأن يعيشوا في خيره معه، وتحت ظله، ومثلما يساهم في تربيتهم وتوجيههم عليه أيضاً أن يعطي اولاده الحق في العيش الكريم، حتى لا يحتاج ابنائه الى احد غيره، ولا يقصدون الا هو لتلبية حوائجهم، فالأب القدوة هو الذي يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في سائر شؤون الحياة وليس « الله محلل أربع» فقط.