بدأت آثار الأزمة المالية التي تعاني منها البحرين تعكس بظلالها على مختلف جوانب الحياة. كان أصعبها رفع سعر بنزين السيارات ورفع الدعم عن اللحوم. وكلها مرت مرور الضيف ثقيل الظل. واستطاع المواطن البسيط تجاوزها تقديراً منه للظروف الصعبة التي يمر بها الإقليم كاملاً. وفي الأشهرالأخيرة كثر الحديث عن تغييرات جذرية قد تطال نظام التقاعد وقد «تشطب» العديد من الامتيازات التي كان يحظى بها الموظف حالما يغادر وظيفته بعد عشرات السنوات من الخدمة المضنية. ولكن تلك الإشاعات أربكت الكثيرين حتى الذين لم يصلوا إلى منتصف الطريق نحو التقاعد.
الكثيرون جلسوا على منضداتهم أمام الآلة الحاسبة، ليحصي كل واحد منهم ما سيجنيه من بقايا عرق جبينه في آخر مشواره الوظيفي. الحديث عن إلغاء شراء سنوات العمل الافتراضية وإلغاء مكافأة نهاية الخدمة أو تقسيطها في الراتب صدم الكثيرين ممن كانوا يخططون لتقليص سنوات عملهم واستثمار مكافآتهم في مشروعات تجارية أو في ترميم منازلهم أو حتى ادخارها. وما يُقال عن الآلية الجديدة لاحتساب متوسط الراتب التقاعدي ورفعها من متوسط آخر سنتين إلى آخر خمس سنوات قضى على أمنيات الكثير من الموظفين في الحصول على ترقية وظيفية في السنوات الأخيرة قبل بلوغ نهاية الشوط الأخير من العمل. ونتائج الآلات الحاسبة لدى الجميع وصلت لنتيجتين لا ثالث لهما، إما أن يسرع البعض في اتخاذ قرار التقاعد قبل أن يقع تحت طائلة التحديثات التي تبثها الإشاعات، أو أن يُلغي فكرة التقاعد المبكر وينتظر حتى يتلقى اتصالاً هاتفياً من الموارد البشرية بأن عليك مغادرة موقعك في العمل في تاريخ (...).
وفي بلد مثل البحرين تزيد فيه نسبة الفتوة سنوياً، وتكثر أعداد الشباب خريجي الجامعات بما يسبب ضغطاً على الوظائف وتهديداً بارتفاع نسب البطالة بين الجامعيين، فإن التقاعد المبكر بامتيازات مرضية للموظف يعد أحد الحلول الإيجابية. كما أن التضخم الكبير الذي تشهده البحرين نتيجة ارتفاع الأسعار وعدم زيادة الرواتب تجعل الاستمرار في الوظيفة أمراً غير مربح. فضلاً عن كل ذلك فإن استمرار الفساد الإداري الذي امتلأت به مجلدات ديوان الرقابة المالية والإدارية بدأ يشكل ضغطاً نفسياً وفتوراً مهنياً جعل التقاعد حلماً ممكناً ينتظر تحققه الكثير من الموظفين.
إنها رسالة يود الغالبية العظمى من موظفي البحرين إيصالها إلى القيادة الرشيدة وإلى أصحاب القرار في موضوع التقاعد: إن الجميع يدرك تماماً حجم التحديات التي تمر بها البلاد، وحجم الأخطار المحدقة بها. ويقفون مع الدولة أمام أي تحدٍ أو خطر. ولكنهم قلقون من أي قرار قد يهدد الملجأ الأخير لهم لحياة كريمة في خاتمة أيامهم. فليكن راتب التقاعد وحقوق الموظف في نهاية خدمته خطاً أحمر تقديراً لخدمته الوطن وحفظاً لكرامته وإنسانيته.