بقصد الشحن والتحريض تداول البعض على «تويتر» أخيراً مجموعة من التغريدات تلخصها التغريدة التالية «البرلمان البحريني يرفع دعوى «تويتر» ضد 61 مواطناً من منتخبي أعضائه». أما من لا يعرف خلفيات الموضوع وتفاصيله فالأكيد أنه سيدهش ويقول كيف يمكن لأعضاء منتخبين من الشعب أن يرفعوا قضايا ضد أفراد كان لهم دور في إيصالهم إلى مقاعد البرلمان التي يشغلونها حاليا؟ ويقول أيضاً متسائلاً أليس هذا من العجب العجاب؟! لكن هذا وكل من لا يكتفي بقراءة التغريدة ويحرص على البحث عن التفاصيل والخلفيات لابد أنهم يتوصلون إلى ما يغير موقفهم ويؤيدون ما قام به البرلمان الذي يسعى إلى رفض سلوك غريب على أهل البحرين، وإلى تأصيل سلوك آخر يليق بأهل البحرين، ويريد أن يوصل رسالة مفادها أنه يجب التفريق بين النقد والسب، فهذا الأخير لا يمكن أن يكون نقداً لمجرد أنه جاء في لباس تغريدة، كما لا يمكن أن يكون ذلك ممارسة للحرية لمجرد التيقن من أن وسيلة «تويتر» مباحة للجميع.
ما حدث ودعا البرلمان إلى رفع تلك القضايا هو أن البعض فهم أن السب نوع من النقد، وأن من حقه كمواطن أن يسب من يشاء بالكيفية التي يشاء، وفي الوقت الذي يشاء، وبما أن «تويتر» متاح للجميع لذا ينبغي ألا يخضع لأي قانون. هذا البعض ينظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي على أنها «هايد بارك»، له أن يقول فيه كل ما يجول في خاطره، وهو يعتقد أنه طالما أن النواب ممثلون للشعب فإن من حقه أن يقول عنهم وعن ذويهم كل ما يحلو له لأنهم ممثلوه في المجلس، ولأنه هو من مكنهم من تلك المقاعد التي يجلسون عليها!
لكن إذا كان بين هذا البعض من لا يعينه عقله على استيعاب غير هذا فهل يقبل من أولئك الذين يعتبرون أنفسهم «معارضة» أن يقولوا ويفعلوا الشيء نفسه؟ أليس مثيراً أن تكون تلك التعليقات على رفع الدعاوى ضد من تجاوز كل الخطوط ولم يهتم لا بعادات ولا بتقاليد ولا بأعراف ولا بأخلاق كالتي تم الاستشهاد بها هنا قد كتبت بأقلام أناس يعتبرون أنفسهم قياديين؟ ترى هل يقبل هؤلاء وأولئك أن يكتب الآخرون عنهم وعن أهاليهم وعمن يعتبرونه مقدساً من الأفراد بالطريقة نفسها التي كتبوا فيها تلك التغريدات عن النواب والبرلمان؟ أم أن انتخابهم لأعضاء البرلمان يعطيهم حق سبهم وشتمهم ولعنهم؟
ما جرى ليس من أخلاق أهل البحرين ولا يمكن القبول به لأنه خطأ، والطبيعي هو أن يرفضه الجميع وليس أعضاء البرلمان فقط. كان حرياً بكل من له دالة على ذلك البعض وتأثير أن يباشر ببيان الخطأ له ومنعه من ممارسته، على الأقل ليحمي نفسه من الآخرين الذين يمكن أن تدفعهم قدراتهم العقلية المحدودة إلى ممارسة الشيء نفسه مع من يعتبره ذلك البعض مهماً وفوق النقد، فهذا الباب إن سمح بتركه مفتوحاً سيتضرر منه الجميع وأولهم من يعتبر نفسه «معارضة» ومعنياً بـ «الحراك الثوري».
رفع البرلمان لتلك الدعاوى ضد من تجاوز وأخطأ واستغل وسائل التواصل الاجتماعي في الإساءة إلى البرلمان خطوة مهمة، والأهم هو عدم تراجعه وإصراره على أن تتم معاقبة كل من اختار هذا الطريق ليعبر عن عدم رضاه أو عدم ارتياحه من أداء البرلمان أو بعض أعضائه، فليس هذا هو الطريق الذي يمكن لمجتمع البحرين أن يقبله، وليس هذا طريق أهل البحرين.
إصدار التشريعات المناسبة في هذا الخصوص وإنزال العقوبة بكل من يسير في طريق الخطأ نتيجته المنطقية هو سد هذا الباب الذي يتضرر منه الجميع من دون استثناء.