قضية الأمن تهمنا جميعاً كمواطنين، مثل قضية الإرهاب، وبشكل متوازٍ، ولا شك في أن تلاحم الأمة مراد كل فرد منا. فالأمن ليس مجرد كلمة تقال أو تردد، بل أمل منشود، لكل أمة على وجه الأرض، ولك أن تتخيل دولة في غياب الأمن!
قتل، تعذيب، تخويف، تهديد، حيث لا يأمن الإنسان في تلك الظروف على نفسه، ولا على أهله، ولا على ماله، بل يعيش لحظات الرعب والهلع في كل لحظة، يخشى فيها مداهمة عدو له، أو لصوص، لا يهنأ بطعام ولا شراب ولا نوم، ولا بأي لذة من ملذات الحياة.
وعلى النقيض، فإن ثقافة الإرهاب هي ثقافة جهل تقود إلى عنف، فثقافة الإرهاب ثقافة قتل ودمار وتخريب، وكلها تصب في خندق واحد هو خندق الهدم المتعمد مع سبق الإصرار والترصد، وذلك ضد البناء، وضد أي خطوة للتطوير، وضد زرع نواة المفكرين لأن الإرهاب أساساً لا يصنع حضارة ولا تقدماً في الجوهر، وبالأحرى ضد وحدة الوطن واقتصاده وتطوره.
وقد دعا الإسلام إلى الأمن والسلام، حيث قامت الدعوة الإسلامية منذ بدايتها على العدل والإحسان والخير والحكمة والموعظة الحسنة، والحوار مع الآخر بالتي هي أحسن، ولم ينتشر الإسلام بالحرب ولا بالسيف ولا بالقهر ولا بالإجبار، ولا بأي أسلوب من أساليب القوة أو العنف، بل إن مشروعية الجهاد تتلخص حكمها في الدفاع عن الدين، وتأمين الطريق أمام الدعوة الإسلامية التي هدفها إحقاق الحق، وإزهاق الباطل، وتحقيق كرامة الإنسان، والدفاع عن النفس والوطن، فالجهاد الذي يراه الإسلام هو جهاد في سبيل الله تعالى، لا صلة له بأساليب الهيمنة أو القهر أو السطو أو الاستعمار السياسي أو الاقتصادي. إلى جانب ان تحية أهل الجنة هي السلام، وتحية أهل الإسلام في الدنيا هي السلام، كما إننا ننهي صلاتنا بالسلام، والسلام اسم من أسماء الله الحسنى.
وتأكيدا لذلك، فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 في مادته السابعة على أن «كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز، وضد أي تحريض على تمييز كهذا». كما اعترف رؤساء الدول والحكومات في مؤتمر القمة العالمي المنعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في عام 2005 أن «السلام والأمن والتنمية وحقوق الإنسان تمثل الدعائم التي تقوم عليها منظومة الأمم المتحدة والأسس اللازمة للأمن والرفاه الجماعيين، ونسلم بأن التنمية والسلام والأمن وحقوق الإنسان مسائل مترابطة ويعزز بعضها البعض».
ولذلك فنحن نصدق القول بأن الشعوب إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نمت، وانبثق عنها أمن وإيمان، إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا ضمانات واقعية ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية.
ونستشهد بمقولة جميلة هي «إذا وجد الإرهاب الفكري فقد وجد كل إرهاب، كما أنه إذا وُجدت الحرية الفكرية زال الإرهاب كله.. فلا حرية إذا لم توجد الحرية الفكرية وإذا وجدت فقد وجدت كل حرية، ومن المستحيل أن نكون أحراراً ما لم نكن أحراراً في تفكيرنا وفي التعبير عنه».
وعليه فإما نكون من الذين أنعم الله عليهم بتفعيل نعمة الفكر في تطبيق نطاق الحرية، أم نكون مع رَكِبْ الذي يضرّ غيره ليشقي نفسه وينادي بالإرهاب كتعويض عن حرية الفكر، والخيار لكَ أو لكِ لاختيار المركب الذي سوف يسير بكم نحو حصيلة بذرة السلام التي ستزرعونها في أحشائكم، في حديقة منزلكم، أو حتى على جدران مدرستكم التي ستُربى فيها أجيالكم بعد حين.