يبدو أن «هوشات» النواب التي لم تنتهِ منذ عام 2002 وحتى هذه اللحظة ربما تضعنا أمام علامة استفهام بحجم الأرض حول طبيعة إدارة الخلاف والاختلاف داخل أروقة المجلس وفي عميق أسلوب تفكير الإخوة النواب الأعزاء، فالهوشات المتكررة التي حدثت وتحدث داخل المجلس النيابي لا علاقة لها دائماً بالتكتلات البرلمانية كما يحلو أن يطلق عليها البعض، كما أنها ليست صراعات أجنحة بقدر ما هي فوضى وقلة حيلة في إدارة الملفات وبعض الخلافات التي لا تستحق الشتم والقذف وإرسالها بعد ذلك إلى قاعات المحاكم.
كلنا يتفق على أن المناخات التي تؤدي إلى ظهور الاختلافات وحتى الخلافات الطبيعية تعتبر من الأمور الصحية والديمقراطية في بيئات العمل النيابي في كل العالم، بل هناك وفي بعض البرلمانات العريقة تحدث وبسبب اختلاف الرؤى الكثير من الصراعات المحتدمة بسبب اختلاف التوجهات السياسية والحزبية، كما أن قوة التكتلات البرلمانية لها الدور الفاعل في تلكم الصراعات داخل البرلمان، لكنهم في النهاية يملكون القدرة والخبرة الكافيتين لتحييد الصراعات وإدارة الأزمات بطريقة حضارية وديمقراطية بعيداً عن التلاسن الهابط والتعيير واللجوء إلى منطق الشتائم والخروج من كل ذلك بلا نتيجة.
حين يعتاد الإخوة النواب على تطبيع ممارسات سلبية تحت قبة البرلمان فإنهم بذلك يؤسسون لقواعد وأخلاقيات من نوع خاص ستكون قاعدة صلبة يقف عليها من يأتي بعدهم، وبهذا المعنى ستكون الممارسات السلبية هي القانون الطبيعي داخل المجلس، فلا غرابة حينها عندما تكون الشتائم والهوشات السوقية هي السمة العامة لسلوكيات ممثلي الشعب، خصوصاً حين نقبل أن تمتد هذه الممارسات من مجلس إلى مجلس آخر ومن دورة إلى دورة أخرى.
بكل تأكيد هنالك لوائح داخلية ربما تكون كفيلة بضبط الكثير من السلوكيات والممارسات عند بعض النواب، خصوصاً أننا نعلم جيداً أننا لسنا من ضمن سياقات نيابية تختلف فيها التوجهات السياسية والفكرية العميقة بالصورة التي تؤدي إلى هذا الخلاف الكبير جداً في قضايا التعبير والتشريع وطريقة التفكير، ومن هنا فإن كل ما يحدث في مجلسنا من «هوشات» لا تتعدى أن تكون من أجل مزيد من المزايدات والعنتريات الفارغة، وإلا لن يكون هنالك أي معنى أو تفسير لما يحدث في كل مرة يختلف فيها هؤلاء النواب!
نحن ننصح وسنظل ننصح الإخوة النواب الأعزاء أن يضبطوا سلوكياتهم باتجاه بوصلة الوطن، وألا يكونوا محط أنظار المواطنين والصحافة والمجالس وبقية مواقع التواصل الاجتماعي لينالوا نصيبهم من كميات السخرية التي توجه لهذه الفوضويات داخل المجلس، فالقضايا المصيرية المهمة التي على جدول أعمال المجلس أكبر بكثير من أن يتفرغ مجموعة من النواب أو ينذروا أنفسهم لهوشات أو نزاعات شخصية لا ترقى في كثير من الأحيان حتى لهوشات «عيال الفريج»، فارحموا عقولنا أيها النواب، ورحمة منكم بوطن يحتاج لمن يساعده أكثر مما يؤذيه، ولشعب يستحق أن يكون محل تقدير في أجندتكم.