قرار المملكة العربية السعودية بوقف المساعدات العسكرية لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبناني لم يكن وليد اللحظة أو نتيجة لردة فعل سريعة نحو حدث معين، بل جاء بعد صبر طويل تجاوز 30 عاماً عاش فيه لبنان في أوقات كثيرة من تلك السنوات ظروفاً صعبة كان سببها – ولا يزال – ما يسمى بـ «حزب الله».
ذلك الحزب الذي أصبح لعبه على المكشوف بكل وقاحة، لم تستطع الحكومات اللبنانية المتعاقبة ردعه، وتركته يكبر ويكبر ويزداد كبراً وتكبراً، حتى وصل إلى حد الغطرسة وأثر وجوده على علاقات لبنان بالدول العربية وبالذات الخليجية وتحديداً المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، فمملكتنا لم ولن تنسى ما تسبب به هذا الحزب من أعمال إرهابية في البحرين خلال 30 عاماً بدءاً من حركة الانقلاب الفاشلة في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، حتى أعمال الشغب الإرهابية في منتصف التسعينيات مروراً بأزمة 2011، كما أن معظم الخلايا الإرهابية التي يتم القبض عليها دربت في جنوب لبنان «تحت رعاية» ما يسمى بـ «حزب الله».
وبالعودة إلى القرار السعودي بشأن وقف الدعم العسكري عن لبنان، فإن على الجمهورية العزيزة على قلوب الخليجيين والعرب أن تتوخى الحذر فيما يتعلق بما يسمى بـ «حزب الله»، وموقعه من الإعراب في لبنان، فلم يعد يجدي نفعاً أن تتبرأ الحكومة اللبنانية من أفعال وتصرفات الحزب عبر بيانات معلبة وجاهزة، أو أن تقول جملتها المعتادة «»حزب الله» لا يمثل كل الشعب اللبناني»، وذلك عندما يتسبب هذا الحزب بأعمال إرهابية في دول عربية وتحديداً الخليجية منها.
القرار السعودي قد يكون له أبعاد مستقبلية إذا وقفت الحكومة اللبنانية موقف المتفرج على «حزب الله» ولم تقم بلجمه ووقفه عند حده، وما يسببه من إحراج للشعب اللبناني مع أغلب أشقائه العرب، وبالذات في الخليج العربي، وربما تكون تلك الأبعاد ذات مكنون اقتصادي وتجاري، خاصة وأن لبنان يعتمد وبشكل أساس على الاقتصاد والسياحة والتجارة خاصة مع دول الخليج العربي، فعلى سبيل المثال، يتجاوز حجم التبادل التجاري بين بيروت والرياض فقط حاجز 800 مليون دولار، منها 300 مليون دولار تدخل ضمن صادرات لبنان إلى المملكة في مقابل واردات بقيمة 450 مليوناً، وتلي السوق السعودية من حيث الأهمية الاقتصادية، كل من أسواق الإمارات، فالكويت، وقطر، إضافة إلى البحرين، ثم عمان، بحسب تصريح صحافي لأمين سر مجلس العمل والاستثمار اللبناني في السعودية ربيع الأمين.
كما أن السائح الخليجي يعتبر من أهم السياح في لبنان وأكثرهم إنفاقاً، حيث ينفق السائح الخليجي في لبنان قرابة 15 ألف دولار مقارنة بسائحين آخرين والذين لا يتجاوز نفقاتهم حاجز 3 آلاف دولار، ويتميز السائح الخليجي عن غيره بتعدد زياراته للبنان وبالتالي إنفاق المزيد من الأموال.
وفي ذات السياق، فإن السيولة المالية للعاملين اللبنانيين من دول الخليج العربي تبلغ المليارات، وتقارب 6 مليارات دولار تدخل سنوياً إلى لبنان بواسطة قرابة نصف مليون عامل لبناني في دول الخليج العربي، ناهيكم عن الكثير من الاستثمارات الخليجية الأخرى في لبنان والتي لا يتسع المجال لذكرها.
لن نكون متشائمين هكذا تجاه أخواننا اللبنانيين فهم أشقاء عزيزون علينا، ولكن على هؤلاء الإخوة في المقابل أن يدركوا جيداً أن دول الخليج العربي تعاني من ذلك الحزب الموجود على أرض لبنان، نعم إنهم مواطنون لبنانيون في نهاية الأمر، ولكن الجمهورية اللبنانية مطالبة بموقف حازم في تعاملها مع من يتسبب في تصدير الإرهاب لدول شقيقة من داخل أراضيها، فطبيعة الشعب اللبناني هو السلام والكرم وحب أشقائه العرب، أما هؤلاء فطبيعتهم الكراهية والطائفية وإشعال الفتنة وتصدير الإرهاب، فهل يرضى الشعب اللبناني بوجود تلك الفئة بينهم والتي يحسبها البعض عليهم؟!