هل من صفات المسؤول الناجح حرف وتحوير الواقع وتحويله إلى حلم خادع وتغيير الحقائق وإيثار الباطل على الحق، بطريقة لا تمت للعقل ولا للمنطق بصلة.
منذ الخميس الماضي وأنا أطلق لنفسي العنان في تأمل ما قاله وزير العمل والتنمية الاجتماعية جميل حميدان، في رده على سؤال برلماني للنائب محمد ا?حمد حول خط الفقر الحالي، حيث قال الوزير إنه «محدد بـ56 ديناراً للفرد الواحد، و337 ديناراً للأسرة المكونة من 6 أشخاص فما فوق»، حاولت أكثر من مرة تحليل ما قاله سعادة الوزير، بدأت أدون ملاحظاتي، وجدت نفسي أكتب بلا تملق ولا زيف ولا نفاق، فكان مقال لا يصلح للنشر، وإن تم نشره، فهي قضية ثانية من الوزارة في طريقها إلى النيابة ضدي!!
مزقت كل ما كتبته، وأعدت صياغته بطريقة، سعيت جاهداً، لتناسب مزاج المسؤولين «اللهم اجعل كلامنا خفيفاً عليهم».
لست هنا بصدد مناقشة الوزير فيما قاله، مطلقاً، خصوصاً وأن سعادة الوزير استمد هذه المعلومة من دراسة صادرة من مركز البحرين للدراسات والبحوث في عام 2003، صحيح المعلومة قديمة بعض الشيء، فخلال 13 سنة تغيرت الكثير في الأمور، وأصبح الفقير إللي تحت في بطن الأرض – الله يرحمه – والغني إللي فوق، أصبح فوق.. فوق.. يسبح، لكن الوزارة – جزاها الله خيراً – ووفق كلام سعادة الوزير، تعمل حالياً على البحث عن بيوت خبرة ?جراء دراسة حديثة يتم بموجبها اعتماد خط جديد للحد ا?دنى المعيشي أو ما يسمى عالمياً خط الفقر، لذلك أكرر ما قلته، لست هنا بصدد مناقشة الوزير فيما قال، ولكن لدي سؤال واحد فقط لا غير، ليس تشكيكاً في كلام سعادته، معاذ الله، ولكن ليطمئن قلبي:
بالله عليك يا سعادة الوزير، وبحق من رفع السموات السبع من غير أعمدة، كيف يمكن أن يعيش مواطن بـ56 ديناراً؟
مستعد لأن ألوح بقطع ذراعي بس أعرف سر الخلطة السرية التي ممكن أن يقدمها سعادة الوزير لأسرة مكونة من 6 أشخاص فما فوق، لتعيش سعيدة بـ337 ديناراً!!
يا سعادة الوزير، كلامك يفقع المرارة ويرفع الضغط ويفجر شرايين القلب وكل الأحشاء، ولا أتصور أن هناك مواطناً على هذه البسيطة ممكن أن يقتنع بهذا الكلام، فـ «حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له».
عارف عزيزي القارئ ما هي مشكلتنا؟
إن «بعض» المسؤولين «أرجو ألا يعتبر أحد منكم، وزير العمل والتنمية الاجتماعية من بين أولئك البعض»، يتصور أن تزييف الصورة، وقلب الحقائق، ومحاولة إيهام القيادة بخلاف الواقع وفق سياسة «كل الأمور طيبة طالع عمرك»، سيزيد من عمره الافتراضي على كرسي المسؤولية، ويجعل شيوخنا – الله يحفظهم – يرضوا عليه!!
سعادتك غلطان، الرضى لا يأتي بهذه الطريقة، ومخطئ من يتصور أن مثل تلك التصريحات، وفي هذا التوقيت تحديداً، سيصب في صالح البلد والقيادة، لا وألف لا، لقد أنعم الله علينا بولاة أمر، يتألمون لحال أي مواطن في عوز أو حاجة، عهدنا ذلك فيهم، جل سعادتهم تأتي من القرارات التي تصب في صالح رقي وكرامة المواطن، سمعتها «بأذني إللي هياكلها الدود»، من صاحب السمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، وسمعها جم غفير من المواطنين أيضاً، حين كان يقول في مجلسه: «لم نأت إلى هنا سعياً وراء المناصب بل لخدمة المواطن، هو مصدر ثروتنا وهو الاستثمار الصحيح، ودائماً ما نسعى في محاولة المؤتمَن المجتهد – إن شاء الله – أن نلبي حاجاته لحياة كريمة.. هو له حق علينا».