شكراً جلالة الملك حمد بن عيسى على إيمانك بهذا الشعب ورهانك عليه شكراً لتمسكك بفكرة الميثاق رغم غرابتها وجدتها على منطقتنا حين ذاك، فأن تجري استفتاء على حكم دام أكثر من 200 عام باختيارك وبإرادتك، ولا تتكل على شرعيته التاريخية فحسب فتلك قمة الثقة بالله وبشعبك الوفي، وكانت النتيجة مفخرة للأمم ومصدر اعتزاز لأي نظام حاكم، نسبة لم يشكك فيها حتى خصومك وخصوم الشعب البحريني 98.4%، نعم إننا أصحاب هذه النسبة وصوتنا بها على تجديد الولاء لنظام سياسي ملكي دستوري البند الأول فيه للملك حمد بن عيسى، شكراً ونعتذر لتقصيرنا في حمايتها ورعايتها وتنميتها والبناء على ثوابتها.
98.4% إجماع على الحكم هذه النسبة وشعبيتك التي طغت في كل مناطق البحرين كانت واقعاً وحقيقة وليس حلماً ولم يكن وهماً، كان حباً فطرياً تلقائياً عفوياً هذا الذي حملك على الأكتاف، شرارة حب انطلقت رفعت معنويات الشعب البحريني بأجمعه فكانت البحرين اسمنا وعلمنا ورايتنا ولا أحد تحدث عن سنة وشيعة في تلك اللحظة، رغم أن المساجد و المآتم والكنائس في موقعها لم يمسها تغيير، لكنها ذابت جميعها في بوتقة وطنية جامعة، كيف فرطنا بهذا الواقع؟
أفزعتهم حقاً هذه الصورة، سلبت منهم حلماً ومشروعاً، تلفتوا فلم يجدوا لهم موقعاً ولهذا عملوا خلال 14 عاماً على حمل المعاول بلا كلل لهدمها وإعادة البحرين لمعسكريين لواقع تجاوزته تلك الوثيقة أعادونا لمعسكرين إما يزيدي أو حسيني بعد أن جمعنا ميثاق شرف واحد.
2011 اختاروا نفس التاريخ كي تمحى الذكرى الأولى وتبقى الثانية، اختاروا يوم الميثاق، أرادوا الانتحار، أرادوا الدم، أرادوا أن تصطبغ هذه الذكرى بالموت، أرادوا أن يكون لمعسكر الحسين 14 فبراير، ولمعسكر يزيد 14 فبراير أخرى، و مع الأسف مثلما عملت هذه المجموعة التي لا تخاف الله على زعزعة الثقة بين أبناء الشعب الواحد ونجحوا في بناء الجدران وهدم الجسور، يؤسفني القول إن أجهزتنا التنفيذية التي من المفروض أن تحمل مسؤولية إعادة بنائها ومساعدة الناس في هضم واستيعاب المكتسبات فشلت هي الأخرى في وظيفتها ومحت أو كادت أن تمحو 14 فبراير الميثاق الجامع البحريني الأصيل الذي وحدنا، واحتارت كيف تتعامل معه بعيداً عن الاحتفالات.
يؤسفنا القول إن «الدولة» أهملت واجبها في حماية هذا الرمز الجامع للوحدة الوطنية وانسحبت من المشهد وأبقت بعض المظاهر الاحتفالية على استحياء.
هذا يوم الوحدة البحرينية مثلما هو يوم الاستفتاء على الحكم وحين تكون نسبته 98.4% فإنه يوم يجب أن يعامل باحترام وبتقدير وبإجلال، ويعطى ويمنح المكانة التي تليق به.
لا نطلب احتفالات بذخ ولا نطالب بما يتعارض مع مرحلة التقشف وشد الحزام، إنما نطالب بالاحتفاء بهذا اليوم بحراك مشترك رسمي وشعبي، حراك جدلي ونقاش على مستوى الدولة يشارك به رموز الدولة والمؤسسات المدنية دونما حاجة للتكلف والرسميات، حراك يجدد اللقاء ويجدد العهد ويبعث الروح التي وُئدت، حراك يسبق المناسبة بأيام تعيشها الدولة بكامل أركانها يذكر الناس بثوابت وطنية بثوابت الوثيقة التي أجمعنا عليها، يذكرنا ما هو موجود بين أيدينا بل وربما لا يذكرنا فحسب إنما يعرفنا من جديد بقيمة ما عندنا إذ إن أكثرنا لم يعرف قيمة وقدر وثيقة كهذه.
ماذا يعني أن يستبق أي حكم في أي دولة العواصف التي أطاحت بالدول وأسقطتها فيجازف باستفتاء يجدد العهد له وهو الذي كان بإمكانه الاعتماد على الشرعية التاريخية؟ ماذا يعني أن يجتمع شعب متعدد الأطياف والملل والأعراق كالشعب البحريني على رأي واحد بنسبة 98.4% ؟ ماذا يعني أن توضع خارطة طريق لمسار مستقبلي للدولة تحدده في مسيرته السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
لم نعرف قيمته ولم تعرف الناس قيمته لخمسة عشر عاماً بل تراجعنا أمام معاول الهدم الشيطانية وصدقنا أن ما نحمله بين أيدينا كذب ووهم.
أخفقنا في حفظه، وأخفقنا في الاستفادة منه، وأخفقنا في توظيف مكاسبه، والإخفاق هنا يشمل الجميع مجتمعاً وأجهزة رسمية وأصحاب قرار، واليوم نشكو ونئن، هذا صحيح، لكننا لا يمكن أن نشكو لسفير أمريكي أو بريطاني أو لمنظمة أو وسيلة إعلام أجنبية، فرغم كل إخفاقاتنا نحن نحمل الأمل ومازلنا على العهد باقين، ولم نفرط في سيادتنا الوطنية ولن نبعد قيد أنملة عن ولائنا وحبنا لهذا المليك الذي وعى بمخاطر ستعصف بنا وأمننا على أوطاننا فهيأ لنا الأرضية الثابتة التي ممكن أن نبني عليها مستقبل أبنائنا.
نئن، نعم نشكو ربما من سوء أداء هنا، أو هناك، إنما مازلنا مؤمنين بأن الأيام الأجمل تلك التي لم نعشها بعد رغم معاول المحبطين، مازلنا على قناعة بأن البحرين أكبر من 15عاماً فيها من الإخفاقات والإنجازات، مازلنا على يقين بأن الميثاق الوطني أرضية صلبة وأساس وثوابت وقاعدة تملكناها بإرادتنا وبإمكانها هي أن تعيد اللحمة وتضعنا من جديد على المسار الصحيح، كل الشعوب تتعثر وتنهض والبحريني يحمل لآلئ المعجزات، فقط علينا أن نعثر على هيراتها.
دعني أقلها بكل صراحة وبكل أسف لو أن هذه الوثيقة بهذه النسبة وجدت في دولة أخرى لكان سمع بها وعرف معناها واحتفى بها القاصي والداني داخل وخارج الدولة، لهذا أعتب وألوم وأنتقد وأتحفظ وبشدة على تقاعس الدولة وأجهزتها عن التعاطي مع يوم الميثاق الوطني بما يليق به، والاكتفاء ببعض المظاهر على استحياء، إذا كان المكلف بإقناع الآخرين غير مقتنع بما لديه فكيف سيقنع الآخرين به؟