من السذاجة السياسية أن ننظر إلى من يبشر بالموجة الثانية من الفوضى الخلاقة متمنياً حدوثها معتبرها «حلاً» للصراعات ويسميها «الشرق الأوسط الانتقالي»، ويساويه مع من يحذر من هذه الموجة الثانية ويدعو للتحرك قبل حدوثها لأنه يراها خراباً ودماراً على أي دولة تحل بها.... لكن مع الأسف سذجنا في البحرين كثر ويظنون مع الأسف أن الاثنين «المبشر والمحذر» يتفقان في الأهداف لكنهما يختلفان في أسلوب الطرح، من يبشر بسقوط الدولة مع من يحذر منه!!
كون الاثنين يشخصان الوضع ويتلاقيان ويتفقان على بعض مواضع الخلل في الدولة، فإن الفارق بينهما يكمن في أن من يبشر بالموجة الثانية يرى مواضع الخلل ثغرة لصالحه وفرصة ممكن أن يتسرب التدخل الخارجي منها أو ثغرة ممكن تستغل لإحداث الفوضى، فتجد خطابه دائماً موجهاً للمتلقي الأجنبي حين يشير إليها، يستخدم المصطلحات التي تجد صدى للمتلقي الأجنبي الغربي تحديداً ويختار التوقيت المناسب للمتلقي الغربي ولا يجد غضاضة في التواصل مع الخارج لمناقشة مواقع الخلل معها ويدعوها للتدخل والضغط ومخاطبة حكومته.
في حين يرى من يحذر من الموجة الثانية أن هذه المواقع التي بها خلل هي مسألة محلية داخلية مهما ظلت وطالت وبقيت إلا أنه من المستحيل أن تكون عرضة للنقاش والتداول بينه وبين أي جهة أجنبية، فتجده غير معني بالمتلقي الأجنبي بل يخاطب الداخل فحسب مستخدماً حتى في تطرقه لهذه المواضع ما يجد صدى للمتلقي المحلي وصاحب القرار، من مصطلحات ومن أسلوب ومن توقيت مراعياً في ذلك خصوصية المكان والزمان.
لا تقل لي فارق في الأسلوب، أبداً بل فارق في الأهداف، إذ لا يمكن أن يسمح المحذر أن تخترق السيادة الوطنية بأي شكل من أشكال الاختراق بحجة معالجة «الفوضى»، فلا يعير المحذر اهتماماً لعهود دولية أو اتفاقات دولية إن كانت تتقدم على أمن وسيادة الدولة، بعكس المبشر الذي يتسلق تلك الأسوار ويفتح باباً لاختراق السيادة الوطنية بنفسه وهو فرح وابتساماته الصفراء تسبقه واضعاً أي اعتبار يخدم أهدافه وأجندته أمام وقبل سيادة وطنه.
مبدأ السيادة الوطنية لا مساومة ولا تسويف فيه تحت أي مسمى دولي عهداً كان أو اتفاقاً عند من يحذر من الموجة الثانية، إنما عند المبشر السيادة الوطنية مسألة قابلة للنقاش عند المبشر، لهذا يرى المبشر أن الموجة الثانية آتية لتحل إشكالاً لديه، في حين يرى المحذر أن الموجة الثانية ممكن تفاديها وسد مواقع الثغرات وحصر أمر معالجتها محلياً.
لا يمكن أن يرى المبشر بالفوضى الخلاقة أي إيجابية أو إنجاز في أداء الأجهزة الرسمية لأن رؤيتها بالنسبة له تعني كابوساً يوقظه من حلمه، فهو لا يمكن أن يشير لأي منها أو يعترف بوجودها لأنه فعلاً لا يراها، في حين أن المحذر من الفوضى تجده لا يمانع أبداً في الإشادة بإنجازات الأجهزة الرسمية ولا يراها تتناقض مع انتقاده للخلل ولا ينقص منه أن يشيد بالإنجاز مثلما ينتقد الخلل، عدا عن كونه يفرح بالإنجازات ويراها حائطاً لصد التدخل الأجنبي مثلما يراها حقاً للمواطنين كافة، إنما يعتبرها المبشر بسقوط الدولة أنها تباعد بينه وبين حلمه.
سقف المحذر في انتقاد مواقع الخلل في الداخل مرتفع إلى أقسى حد لأنه يريد في إصلاحها أن يسد هذه المواقع ولا يتركها ثغرة يتسلل منها أي تدخل أجنبي، فلا ينقاشها في محفل دولي ولا يعنيه أن يسمعها أو يتلقاها سفير أو زائر، وبالتأكيد لا يسافر متعنياً قاصداً أن يوصلها للخارج، في حين يشير المبشر لتلك المواقع مخاطباً قوى أجنبية ليؤكد ضعف الدولة وهشاشتها ويدعوهم لمزيد من التدخل والضغط.
فأي ساذج هذا الذي يرى في هذين الاثنين تساوياً واتفاقاً إنما الاختلاف اختلاف في الأسلوب فقط؟!!