لقد أوصلت السياسة الأمريكية العراق والمنطقة إلى حافة الهاوية، وهي مقبلة على الانفجار، وما شاهدناه وعايشناه من فوضى وعنف ماهو إلا بداية عرض لمسلسل أشد دموية، والقادم إن لم يفعل حقيقة محور التحالف الإسلامي، ويعيد توازن القوى سريعاً، فسيكون المشهد مرعباً للغاية..
وربما سنترحم على أيامنا هذه كما أصبح بعضنا يترحم على أيام الديكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية التي انهارت عندما ضحك الإعلام الأمريكي والغربي علينا، وسوق لنا فريته بضرورة تأييدهم ومناصرتهم لإزاحتهم، لتنعم المنطقة وشعوبها بالديمقراطية، فقدم لنا مع


دباباتهم أسوأ طبقة من السياسيين الفاسدين المجرمين، ليكاد يكون أولئك المستبدين أن يرتقوا مقارنة بهم لمنزلة الأولياء والصالحين.
ولنكن واضحين صرحاء مع أنفسنا ولا نكابر فنحن قوم لا نفقه في السياسة وخداعها الكثير، فالعالم أصبح كله مرتكزاً على محاور، فالمصالح والكذب والمراوغة والتقية هي العوامل المشتركة التي يمارسها الجميع فيما بينهم، دون خجل ووجل. وتشكلت تلك المحاور ولم تترك فرصة للمسلمين والعرب بتكوين محور لهم وبمدار مستقل. فإما أن يجدوا لهم موقعاً في إحدى مداراتهم أو تقذفهم المحاور المتضاربة في سرعة دورانها إلى وادٍ سحيق.
وقد تفهم الكثير من قادة تلك الدول السياسة الجديدة «عدا قومنا»، واتخذوا مواقعهم الصحيحة من تلك المحاور إما اتقاء لشرها أو للحصول على المغانم، وسبقت إيران الجميع، فغيروا من نهجهم ولبسوا جلداً مغايراً تماماً لجلدهم ليتماشى مع موقعهم الجديد، وليس ذلك وليد اليوم بل منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، أو حتى تسبقها، مقابل تنازلات وتفاهمات بدت اليوم جلية، واللعب فيها أصبح على المكشوف.
في حين أن جل الدول العربية والأحزاب والقيادات الحاكمة كان تركيزها على بقائها أطول فترة في الحكم، وقد سحبت لتلك المحاور سحباً وهي مسلوبة الإرادة، وليس لها أي تأثير في موقعها من المدار أي كما يقال فيزيائياً هي أشبه بذرة متعادلة الشحنة إن وجدت لا تعد وإن أزيحت لا تفتقد.
كما أن سياسات الأنظمة التسلطية والقمعية لكثير من دولنا أثرت سلباً في ثقافة شعوبها وتفاعلهم مع الأحداث الجسام، وحجمت الحراك السياسي بل حرمته، وجعلت من الأحزاب والجمعيات والقيادات واجهة ودعاية لديمقراطيتها الزائفة.
أما على صعيد السياسات الداخلية لبعض االدول العربية ذات القطب والحزب الواحد والقائد الأوحد، فقد مزقت بتسلطها أي حراك يؤسس لبناء الديمقراطيات الهادفة التي تنشدها الشعوب، وجعلتهم أما أنهم يدورون في فلكها وبمسميات منمقة، وإن امتنعوا وخرجوا عن عصا الطاعة فمصيرهم معروف!
وعند حدوث أي خلل أمني في تلك الدول وتعرضها للانهيار بسبب عوامل داخلية أوخارجية مثلما حدث مع العراق وليبيا واليمن والشام ومصر ولبنان والقائمة تطول، فترى تلك القيادات والأحزاب بعد انهيار الدولة أو تخلخلها تتخبط وليس لديها أي أجندة للتعامل مع فقه الواقع، فيستغل أولئك الماكرون في السياسة والمتصيدون والفاسدون ليقفزوا ويتصدروا المشهد.
وكما هو معلوم فإن قطار التغيير عندما مر بالعراق قطعه مسرعاً، وإن قبطانه الأمريكي لديه توقيتات في الوقوف والانطلاق، ولا ينتظر كثيراً المترددين! فاستقل أتباع «الولي الفقيه» ذلك القطار، وفي الدرجة الممتازة، وتبعهم على خطاهم قادة الأكراد، وأعقبهم بالدرجة السياحية باقي النحل والملل، وحظي بعد طول تردد وارتباك ممثلو العرب السنة وربما لم يسمح لهم بالدخول من الأبواب الأمامية وأجبروا بالركوب من البوابات الخلفية ليحظوا بالعربة الأخيرة، المخصصة للبضائع وليستقلوها وقوفاً وكثير منهم قذف خارجاً أثناء الرحلة.
وبسبب ضعف تلك القيادات المتبقية وعدم امتلاكهم المشروع الذي يتماشى مع واقع الحال إضافة إلى الكثير من الأسباب التي سنتطرق لها لاحقاً وربما أهمها أن من تصدى للعمل السياسي ليسوا بمؤهلين له ولم يسبق أن عملوا طيلة حياتهم في السياسة وليسوا عالمين بخبايها. من هنا حدث الشرخ والفراق بين الشارع السني وقياداته المفروضة عليه والتي حشرت حشراً لتمثيله.
وواقع الحال أثبت أنها لا تمثل إلا نفسها ثم ما لبثت أن تحولت تلك الرؤوس والقيادات رويداً رويداً مرغمين مرة ومغرمين أخرى ليصبحوا من حيث أن يشعروا أو لا إحدى أدوات المشروع الأمريكي الإيراني في العراق.. وللحديث بقية.