لا بأس أن يعتقد ذلك البعض القليل الذي لايزال مصراً على نشر الفوضى والقيام بأعمال التخريب أنه لم يهزم بعد، فهذا حقه وقراره، لكن الأكيد أن عليه أن يؤمن بأن مختلف التطورات في الساحة المحلية وفي المنطقة إجمالاً ليست في صالحه ولن تكون في صالحه أبداً حتى مع كل هذا التسويق الذي تقوم به إيران وملخصه أن أمور المنطقة ستؤول إليها بعد أن صار نوويها واقعاً وبعد أن بدأت الولايات المتحدة والشركات الأوروبية تتكالب عليها أملاً في الحصول على حصة ترضيها. كما إن على ذلك البعض أن يؤمن أن النهاية التي لا مفر منها هي إقراره بأن ما قام به طوال السنوات الخمس الماضية كان مغامرة غير محسوبة العواقب. هذا أمر مؤلم بالتأكيد بالنسبة له، لكنه حقيقة وواقع، ومن يقول بغير هذا يغالط نفسه.
هذا يعني أنه صار على ذلك البعض القليل أن يتوقف قليلاً ليفكر قليلاً لعله يتمكن من رؤية مختلف عناصر المشهد وقراءته هذه المرة بشكل صحيح، وصار عليه أيضاً أن يفكر كثيراً في أحوال من تمكن من إغرائهم وتزيين الأمر لهم وإعطائهم وعوداً بأمور لا يملكها، ذلك أن من الظلم الاستمرار في أخذهم إلى المجهول والتضحية بهم حالهم كحال البيادق في رقعة الشطرنج.
ليزعم أنه لم يهزم، فهذا دونما شك يريحه نفسياً، لكن لا مفر له من التوقف عن ممارساته التي لا تفضي إلى نتيجة سوى الأذى الذي يتسبب فيه على من أعطاه ثقته وظن فيه خيراً واعتقد أنه يمكن أن يأخذه إلى حيث يحلم. مفردة الهزيمة مؤلمة وثقيلة على النفس، لذلك فإنه لا بأس لو استبدلها بمفردة أو عبارة أخرى يرتاح منها وتشعره بأنه لم يفقد ماء وجهه.
لو تمكن ذلك البعض القليل من تحكيم عقله لتوصل إلى قرار حكيم، فتحكيم العقل يعني امتلاك القدرة على القراءة الصحيحة للمشهد بكل جزئياته، ومن يفعل ذلك يتوصل دونما شك إلى معرفة أن الطريق الذي سار فيه لا يوصل إلى ما يحلم به وظل يروج له طوال الفترة السابقة، كما إنه يعينه على التأكد من أن كل الوعود التي حصل عليها من هذه الجهة أو تلك، ومن هذه الدولة أو تلك، لا قيمة لها لأن من يعد بما لا يملك لا يمكن أن يقدم ما ينفع.
مراجعة النفس أمر مهم ومطلوب، والتراجع بعد معرفة الأخطاء والاعتراف بعدم التمكن من قراءة الواقع قراءة صحيحة ليس عيباً، وليس كل من قام بمثل هذا العمل كان النجاح حليفه، فالفشل أغرق كثيرين لم يقرأوا المشهد قراءة صحيحة. الأفضل من عمليات الشحن التي يقوم بها ذلك البعض في هذه الفترة لدفع البسطاء إلى القيام بما لا يدركونه ولا يدركون عواقبه هو التوقف لإعادة قراءة المشهد بمعطياته الجديدة، فالمشهد الذي أغراه بتنفيذ تلك القفزة غير العاقلة لم يعد كما هو، فقد دخلته عناصر جديدة وتطورات لا يمكن إغفالها أو التغافل عنها.
المشهد المحلي وغير المحلي اليوم مختلف تماماً عن مشهد فبراير 2011، وليس من مشتغل بالسياسة إلا ويقول من دون تردد إن مواصلة السير في هذا الطريق من دون قراءة واعية للمشهد برمته يعني التجني على الناس ويعني مزيداً من تعقيد المشكلة ومزيداً من الأضرار التي يتكبدها الوطن.
الأفضل من عمليات الشحن والتحريض التي هي في ازدياد هو التوقف لإحصاء الخسائر وتبين الطريق، فما تشهده الساحة المحلية من تطورات وما تشهده المنطقة من تغيرات تتسارع وتفرض معطيات جديدة لا تصب أبداً في صالح ذلك البعض القليل وتفكيره.