يوم الخميس الماضي الموافق 4 فبراير، أطلقت شبكة الـ «بي بي سي» سلسلة برامجية يقدمها المذيع والكاتب فاي غلوفر تحت مسمى «دولتي المثالية».
البرنامج يأتي في إطار عملية التطوير الدائمة للبرامج، وهي سياسة تنتهجها القناة البريطانية الشهيرة في إطار سعيها نشر ثقافة أفضل الممارسات التي تحصل في مختلف دول العالم، وفي إطار تشجيع الناس على الكلام بحرية وطرح الأفكار.
فكرة البرنامج بسيطة، لكن في بساطتها تميز يجعل البرنامج محبباً للاستماع إليه، ويستقطب اهتمام الجماهير، وهي تكمن في اختيار بلد كنموذج للحديث عنه وعن بعض الأفكار التي طرحت فيه، سواء من خلال الجانب الرسمي عبر مؤسسات الدولة أو عبر الجانب الأهلي من خلال ما يطرحه العامة، والأهم أنها أفكار ساهمت في تغيير الواقع وساعدت في حل المشكلات.
إلى هنا لا تنتهي فكرة البرنامج، بل القسم الذي تحدثنا عنه يمثل الأساس، إذ تتبعه عملية مقارنات مع الدول الأخرى، وبحث عن المشاكل المشتركة، والتفكير في الحلول المطروحة، وما إذا كان أمر تحقيقها في بلد ما يساعد بلد آخر في حل نفس المشكلة.
يقول غلوفر إن الفكرة قائمة على منهجية تعقب الأفكار، وذلك في إطار السعي لوضع خطة لبناء تصور لـ «البلد المثالي» من ناحية الممارسات الإيجابية وإيجاد الحلول.
والمميز أن ما يطرحه أغلبه يرتكز على رؤى الأفراد ورصدهم للمشكلات وتقديمهم لأفكار بعضها خلاقة وإبداعية تصب في كيفية حل المشاكل وتطوير الممارسات ورفع الأداء.
البرنامج الذي يبث إذاعياً في الساعة الواحدة ظهراً بتوقيت البحرين على موجة الإذاعة البريطانية يفتح مجالاً واسعاً للناس للمشاركة فيه وطرحهم الأفكار المختلفة لحل المشكلات التي تواجهها مجتمعاتهم، دون نسيان التطرق لأفضل الممارسات في دول معنية نجحت في التغلب على مشكلاتها عبر هذا النوع من الممارسة.
لو أردنا الصراحة في القول هنا فإننا لن سنثبت بأن عقول الناس وبالأخص المتأثرين بالخدمات العامة، والمتعاملين مع ممارسات الحكومات، هي أخصب بيئة لاستنباط الحلول وحل المشكلات، إذ هناك من البشر من يمكنه تقديم الحلول بشكل إيجابي، ومناقشة المشكلات بأساليب متقدمة تساعد صانعي القرار على تحسين عملهم والتركيز على جودته، والأهم دفعه باتجاه يحقق الرضا لدى الناس.
تقاسم الحلول، هي كلمة السر التي يركز عليها البرنامج، خاصة مع اعتبارات تشابه المجتمعات في كثير من المشكلات، إضافة لضرورة أن يكون المواطن أو الفرد في المجتمع مشاركاً بفعالية في عملية الخروج بأفكار خلاقة وممارسات مثالية، لا أن يكتفي فقط بالسياسات التي توضع من قبل الحكومات ومتابعة ما إذا كانت عملية إخضاعها للتطبيق ستنجح أم تتعثر.
وهنا لا تختلف المجتمعات الديمقراطية في نظرتها لمشاركة الأفراد «المفترض» في عملية بناء المجتمع والنهوض به، لكن المعضلة تكون حينما نعمل على ترسيخ مبدأ المشاركة كمفهوم، لكننا نعجز عن تطبيقه على أرض الواقع من خلال الممارسات.
سبالتالي إن أردنا مقاربة الفكرة مع مجتمعنا البحريني، سنجد أننا نجتمع على هدف واحد أصيل، يتمثل في سعينا للوصول لحلم تحقق «البلد المثالي»، عبر ممارساته وأعماله وإنتاجه ومن خلال رفع مؤشراته على رأسها مؤشر السعادة، لكننا سنختلف حول حجم المساحة المتاحة للمشاركة في الرأي، ولتقاسم الحلول.
مثل البرنامج المذكور أعلاه يمثل فكرة جميلة لو طبقت فإنها ستدفع الناس للتحول من دور المتلقي والمستقبل، والذي قد تطغى عليه السلبية، إلى دور المبادر والإيجابي في عملية طرح الأفكار والحلول.
الإذاعة في البحرين مازالت متفوقة على التلفزيون، وهذه حقيقة مثبتة، وهناك نهج إيجابي في بعض البرامج لإتاحة الفرصة للناس حتى تتحدث وتعبر عن رأيها، لكن ملاحظة أن هامش الحرية بات مقنناً مؤخراً، وهي ما ينبغي تداركه والعمل على تكبير مساحة التعاطي، ولا نعني هنا إباحة الانفلات وترك الحبل على الغارب، بل ضبط العملية بحيث تواكب شعارات الحرية مع التركيز على إيجابية الطرح والسعي للبحث عن الأفكار الخلاقة والحلول.
لو جربناها لفترة سنجد بالتأكيد إبداعات تصدر من المواطن البحريني، سنجد أفكاراً لحلول المشاكل ربما لم تخطر في بال المسؤولين في بعض القطاعات، ولوجدنا مقترحات لمعالجات قد يكون وقعها أكثر تأثيراً على الناس، لأن منبعها الناس أنفسهم.
طبعاً، لن تنجح العملية هذه إلا من خلال تفاعل بنفس المستوى والقوة من قبل طرف المعادلة الآخر المتمثل بالجهات الرسمية، إذ لا يكفي منح المواطن المساحة للتعبير عن رأيه وطرح مقترحاته، دون التعامل معها بشكل جدي مسؤول، والعمل على تحقيق بعضها على أرض الواقع.
شخصياً أريد رؤية البحرين مثالية لحدها الأقصى، أريد رؤيتها جميلة بممارساتها وعملها والأهم برضا شعبها واستقرارهم النفسي، كل هذا يمكن للشعب أن تكون له يد طولى فيه، فقط نحتاج للمشاركة والاستماع وبعض التفهم، ويعقبه نوع جاد من «الأكشن».