النسخة الأولى من «الربيع العربي» اعتمدت على استراتيجيات حروب اللاعنف، ولذلك كانت مفاجأة، وحظيت بزخم شعبي واضح وإن كان مفتعلاً. فهل ستكون النسخة المقبلة بذات النمط؟
بالتأكيد لن تكون كالنسخة السابقة، ولكن القصد هنا أن التكتيكات من الممكن أن تكون نفسها، ولكن النمط العام سيكون مختلفاً، بمعنى أنه إذا كانت النسخة السابقة بها احتجاجات شعبية واسعة النطاق، مصحوبة بعنف رغم استراتيجيات اللاعنف التي لا تتضمن عنفاً، فإن النسخة المقبلة ستكون أشد من الأولى، وليس مستبعداً أن تصل إلى حالة الحروب الأهلية.
سبب ذلك، أن كلاً من الشعوب والحكومات جرّبت النسخة الأولى وعرفت جيداً كيفية التعامل معها. فالحكومات تدرك أنه لا يمكن مواجهة التهديدات والتحديات الأمنية الناجمة عن مثل موجة التغيير الحادة إلا بمزيد من القوة والمساومة التي تستغرق عادة مدى زمني قصير. وفي الوقت نفسه فإن الشعوب تعرف جيداً الآن إمكانات الحكومات، ولذلك فإنها يمكن أن تلجأ إلى أساليب أكثر عنفاً، ومواجهات أكثر جرأة في حالة اندلاع النسخة الثانية من الربيع العربي من أجل تحقيق أهدافها.
أيضاً لا تعني النسخة الثانية أن حالات انعدام الانخراط في العملية السياسية من الممكن أن تستمر، بل من الممكن جداً أن يكون انخراط القوى السياسية في هذه النسخة من خلال المؤسسات الدستورية وتعطيل أنشطتها، والسعي نحو إنهاء مصداقيتها، خاصة إذا تعرّضت هذه المؤسسات إلى حملة متوسطة المدى لتشويه سمعتها والإضرار بمصداقيتها.
إذن النسخة المقبلة من الربيع العربي ستكون مزيجاً واسع النطاق من حروب اللاعنف، والحروب الأهلية بسبب حدة الصراع بين مختلف القوى واللاعبين السياسيين، وتمسك كل طرف بطريقة تعامله مع الآخر، مع تراجع هامش المرونة كثيراً.
المعطيات تعطينا أن المشهد المحتمل من الممكن أن يكون في شكل معادلة صفرية يخسر فيها الجميع، ولن يخرج أي طرف بنتيجة بخلاف ما قد يعتقد، وهو ما يفتح المجال أمام ترتيبات إقليمية مختلفة بعد تدخلات إقليمية ودولية لن تكون سريعة أو مباشرة، بل ستنتظر القوى الخارجية فترة من الزمن قبل أن تتدخل، والهدف من ذلك ضمان نضوج الصراع الداخلي في الدول المستهدفة، ولضمان عدم وأد الحراك السياسي المرتقب كما حدث في النسخة السابقة، إذ سرعان ما شرعت الحكومات وبعض القوى السياسية بربط الحراك الدائر آنذاك بتدخلات قوى خارجية رغم واقعية هذا الربط.