الطريق للتغيير نحو الأفضل، والعمل على حل المشكلات، لا يتوقف على كتابة خطط واستراتيجيات على الورق، والقول بأننا نملك خطة واستراتيجية وفلسفة عمل، بل عملية الكتابة بحد ذاتها وضع للبنة أولى، إن استطعنا ترجمتها لأفعال وممارسات تحقق الأهداف المرصودة حينها نكون بالفعل قد نجحنا في تطبيق هذه الخطط.
لو بحثنا في كل قطاع بالدولة عن استراتيجيات وخطط عمل مكتوبة لوجدنا الكثير، ولربما غرقنا في الورق، لكن لو أردنا اختبار تطبيق كل ما كتب وكل ما صنف في خانات مختلفة فيها لربما نعيش حالة صدمة، تثبت بأننا مجتمع بات يعشق الورق، بات عمله يركز على «البرزنتيشنات» كشكل وعرض، لكن تطبيق المضمون بعيد عنا تماماً.
لا أقول إن هذا يحصل لدى الجميع، بل هناك من يبني عمله بشكل علمي مدروس، من يتردد ألف مرة قبل أن يعلن ويقول ان لديه خطة محكمة مدروسة، من يعمل وهو يفكر بألف طريقة وطريقة لتحقيق الأهداف التي من مسؤوليتها تحقيقها تجاه الوطن والمواطنين، لا التفكير بالحصول على شهادات تقدير و»إيزو» أو بروز إعلامي في الصحافة ووسائل الإعلام.
المجتمع الذي تجد فيه الإنجازات تتوالى، والذي يقوم على ممارسات تحقق النجاح، هو المجتمع الذي خرج من «حصار» الأوراق والتخطيط عليها، والمفاخرة بالعروض المرئية وبالاجتماعات التنظيرية، وأبدلها بممارسات واقعية يكون لها أثر ملموس، والأهم يمكن قياس نتائجها وعوائدها.
لذا نقول من المهم جداً حينما توضع الخطط والاستراتيجيات أن يراعى كونها أموراً قابلة للتطبيق، أن تكون واقعية المضمون، أن تكون آليات تحقيقها متاحة، وأن يكون لها قياس يرتبط بمؤشرات تقيس رضا الناس وتفاعلهم الإيجابي معها.
حينما تزيد الأخطاء، ونحصد الإخفاقات بدل النجاح، في أي قطاع كان، حينها علينا إدراك حقيقة مرة تتمثل بأن هذه الاستراتيجية التي وضعت وأعلنت واحتفي بها، أو تلك الخطة التي قلنا بوجودها وأننا سائرون عليها، بأن هذه الأساسيات في التخطيط لم تجد لها تطبيقاً صحيحاً، أو لربما لم تجد لها أدوات وطاقات بشرية وعقلية تنجح في ترجمتها على أرض الواقع.
في النهاية ما يحقق النجاح ليست الأوراق، بل البشر الذي يمكنهم صناعة الإنجاز بناء على الحروف المكتوبة، مثل حال كرة القدم، لا يمكن لأعظم مدرب في العالم أن يحصد الفوز والألقاب إن كان معتمدا على لاعبين لا يملكون المهارات الكافية لتطبيق خططه بفاعلية، وقبلها لابد وأن تكون خطته قابلة للتطبيق.
وحينما نتحدث عن قابلية التطبيق لأي استراتيجة أو خطة، لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال العوامل الخارجية التي قد تؤثر عليك، ولربما تنسف عملك كله، أو تحوله لمجرد كلام مكتوب على ورق مكانه الأرشيف ليتم الترحم عليه، أو القول بأننا كنا نملك وكذا.
كمثال واقعي، من كان يظن أن النفط سيتهاوى لهذا المستوى؟! المشهد العالمي وحتى المحلي يقول إننا لم نضع هذه الفرضية في الاعتبار، أو حتى لو وضعت فإنه لم يتم التعامل معها بجدية، ما يعني وضع حلول وخطط مسبقة للتعامل، أو سيناريوهات للمواجهة.
حتى الخطط الطموحة يمكن أن تنتهي بين ليلة وضحاها لأنها لم تكن واقعية بربطها بالمتغيرات.
وعليه الهدف حينما نقول اننا نريد العمل بطرق استراتيجية وأساليب علمية، أن نضع شيئا مبنيا على الواقع، مراعياً للإمكانيات، بحيث يكون قابلاً للتطبيق، وفي الجانب الأخير لابد من توافر الطاقات التي تحوله لحقيقة، وإلا فإننا سنعيش في الخيال والأحلام، لأن ما يكتب على الورق لا يتحقق بنفسه، فلن تخرج الحروف والأحبار لتعمل وتنفذ.
حينما أجد فشلا وأخطاء، لا يمكن أن أصدق بأنه يحصل في قطاع لديه خطة استراتيجية، وإن حصل، فإن خللاً ما موجود بكل تأكيد يستدعي التصليح والالتفات له بكل جدية.
الآن لنسأل، كم خطة استراتيجية لدينا، وكم خارطة طريق؟! لنحصيها في القطاعات جميعاً؟! وبعدها لنقارن حجم الإنجاز بحجم التخطيط، فإن كانت النتيجة ذات فرق شاسع، هنا لابد من التوقف القسري ومحاسبة الذات وجلدها، والعمل على التصحيح.
لا تعطني خطة استراتيجية تتغنى بها، اعطني عملاً ناجحاً له آثاره الإيجابية، لأصفق بعدها تلقائياً وأجزم بأنك تعمل بأسلوب استراتيجي ذكي.