من أجمل ما كتب الطبيب والكاتب الروسي «أنطون تشيخوف» ذلك البارع بإيصال أكبر الأفكار بأقصر الكلمات، قصته مع مربية أولاده «يوليا فاسيليفنا»، ومع أن كاتبها توفي سنة 1904 إلا أننا نجدها مطابقة لحال كثير ممن يعيشون بيننا.
يقول، ذات يوم دعوت يوليا مربية أولادي إلى غرفة مكتبي لأدفع لها حسابها فقلت لها لنتحاسب، لقد اتفقنا أن أدفع لك ثلاثين روبلا في الشهر، فاستدركت قائلة أربعين، قلت: كلا، إنها ثلاثون وهذا مسجل عندي، وكنت دائماً أدفع للمربيات ثلاثين، فقالت حسناً، ثم قلت لها عملت لدينا شهرين، فاستدركت قائلة: شهرين وخمسة أيام، وعليه تستحقين 60 روبلا، نخصم منها تسعة أيام متفرقة، كنت تتنزهين فيها ولم تعلمي ابنتي، ثم نخصم ثلاثة أيام أعياد، فاحمر وجه المربية وبدأت بتحريك أصابعها لكنها لم تنطق بكلمة واحدة، فأكملت كلامي، إذن المجموع 12 روبلا، ثم قلت لها كانت ابنتي مريضة أربعة أيام لم تكن تدرس فيها، وكنت تدرسين أختها بمفردها، كذلك هناك ثلاثة أيام كانت أسنانك تؤلمك، سمحت لك زوجتي ألا تعملي بعد الغداء، وعليه اثنا عشر زائد سبعة يصبح المجموع تسعة عشر، يبقى لك 41 روبلا، مضبوط؟ فامتلأت عيناها بالدمع وارتعشت وسعلت بعصبية، ولكن… لم تنبس بكلمة، ثم قلت: قبيل رأس السنة كسرتِ فنجاناً وطبقاً، نخصم روبلين مع أن قيمتهما أكبر، لكن الله يسامحك، كذلك تسلقت ابنتي الشجرة بسبب إهمالك فتمزقت سترتها، ولذلك سأخصم عشرة، وبسبب تقصيرك أيضاً سرقت الخادمة حذاء البنت نخصم خمسة، ثم سبق وأن أخذت مني عشر روبلات، وهنا همست: لم آخذ، قلت ولكني سجلت ذلك عليك، قالت ليكن ذلك، قلت لها يصبح المجموع 27 نخصمه من 41 الباقي لك 14 فبدأت بالتعرق وقالت، أخذت مرة واحدة من زوجتك ثلاث روبلات لم آخذ غيرها، قلت لها لم أسجلها، وعليه نخصمها من الـ 14 الباقي 11 روبلا، تفضلي خذيها، فمدت يدها وأخذت المال ووضعته في جيبها وقالت شكراً، فانتفضت وقلت شكراً على ماذا؟ قالت على النقود، قلت، لكني نهبتك، سرقتك، لم تقولين شكراً؟! لقد مزحت معك، هذا الظرف جهزته لك فيه 80 روبلا، لكن لم أنت عاجزة؟ هل يمكن أن تكوني مغفلة إلى هذه الدرجة؟!
هذه القصة التي نقلتها باختصار جعلها كاتبها بعنوان «الساذجة» أو «المغفلة» على اختلاف الترجمات، وهي قصة تختصر حقيقة حال الموالين لإيران في الدول العربية والإسلامية، إيران تأخذ منهم كل شيء، وهم يقدمون لها كل الخدمات، بل يقدمون لها أوطانهم، في المقابل إيران لا تعطيهم أي شيء، وهم موافقون ومقتنعون، حتى خيانتهم لا ثمن مقابلها، في الواقع يعيش هؤلاء حالة ضعف ممزوجة بالسذاجة والغباء، لو سئل أحدهم ماذا قدمت لكم إيران من مكاسب لم تقدمها لكم أوطانكم فلن تحصل منهم على جواب، لأن الواقع يؤكد أنهم لم يحصلوا على شيء وفي المقابل خسروا أموراً كانت بين أيديهم.