من أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي تنتهجها الكثير من المجتمعات العربية في العقود الأخيرة، هو استنساخ تجارب سياسية وحزبية لمجتمعات ودول مختلفة، وهذا الاستيراد للأفكار والرؤى السياسية خلق في مجتمعاتنا الكثير من اللَّغط والفوضى، لأن استنساخ التجارب بطريقة «نسخ ولصق»، لم تخدم واقعنا السياسي العربي، بل أضرت به كثيراً، لأنها لم تميز بين الفروقات الجوهرية لتركيب كل مجتمع على حِدة، مما شكل هذا الأمر فجوات في القيم السياسية والاجتماعية، وعليه نشأتْ الكثير من النزاعات العرقية والمذهبية وغيرها من الأفكار التي لا تتناسب والدولة الحديثة.
بناء على هذا الوعي بأهمية خصوصية المجتمعات العربية مع بعض الفوارق التي تتباين بين مجتمع وآخر، لا يمكن أن تنجح كل التجارب التي نجحت في مجتمعات أخرى، بل ربما تكون ضارة وقاتلة لو تم استيرادها بكل ما تحتويه من تفاعلات وسلوكيات لا تتناسب وواقعنا العربي.
من هنا، فنحن ضد لبننة أو عرقنة الوضع الخليجي على سبيل المثال، ونحن ضد استنساخ تجارب تلك الدول حتى وإن نجحت فيها، فتجاوز أو إهمال الخصوصيات المجتمعية بين شعب وشعب، وبين مجتمع ومجتمع، لا يمكن أن يجعل من الفكرة السياسية العامة المستوردة مستقرة في مجتمع آخر، فكيف إذا كانت التجربة السياسية المستوحاة من مجتمع مختلف، لم تنجح في مجتمعها الأم؟ هل يمكنها أن تنجح في مجتمع مختلف عنه تماماً؟ ربما تنجح بالقهر وكسر العظم، وهذا ليس نجاحاً على الإطلاق.
من أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها المجتمعات العربية، هو أنها أرادت تطبيق الأفكار والسلوكيات والممارسات السياسية بحذافيرها، دون الرجوع لبعض مفاصل الاختلاف المهم والجوهري في حركة المجتمعات، خصوصاً بعد «الربيع العربي»، الذي قام بخلط الأوراق وإرباك الساحة السياسية بالكثير من الأمور التي لا تنسجم بين مجتمع وآخر، فحدثت اضطرابات عنيفة أججت الأوضاع السياسية والطائفية في منطقتنا بشكل لافت، والسبب، هو أخذ كامل التجارب السياسية لبقية المجتمعات الأخرى بكل حسناتها وسيئاتها وتطبيقها على أرض واقع مختلف، مما شكل صدمة حقيقية في شكل الحاضر فضلاً عن المستقبل، سواء كان ذلك من طرف بعض الشعوب أو حتى من جهة بعض الأنظمة السياسية.
لعل من أبرز مقومات هذا التفاعل بخصوص استنساخ التجارب السياسية للمجتمعات العربية، هو عدم قدرة الكثير منها على التمييز بين الفوارق الكبيرة بين مجتمع وآخر، كذلك من الأمور المهمة في هذا المجال، هو تأثر مجتمعاتنا بوسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير جداً، فكانت الكثير من الحركات الشعبية العربية نتيجة استخدام مواقع إعلامية مهمة كـ «فيسبوك» و»تويتر». بعضهم نجحوا لحدٍّ ما في خلق الفارق، والكثير منهم فشلوا في تطبيق الأفكار إلى واقع ناجح، وذلك بتجاهلهم كل الفروقات والخصوصيات التي يتمايز بها مجتمع دون آخر.
كلنا يعرف أن المجتمعات العربية تحمل في طياتها تعقيدات قبلية وعرقية ومذهبية ودينية ضاربة في الأعماق، ولهذا لا يمكن لـ «تويتر» أو لشاب متحمس أن يلغي كل ذلك ببيان أو بتغريدة أو باستنساخ تجربة ما، فالعالم الافتراضي ربما ينجح بنسبٍ معينة في تشويش الواقع لا في إلغائه، وربما يفشل فشلاً ذريعاً حين يتجاهل واقعنا المشحون بالاختلافات غير المنسجمة من الأساس، وهذا الذي لم يجعل «الربيع العربي» ينجح في أغلب الأحيان حين تجاهلت مجتمعاتنا هذه الخصوصيات والاختلافات، لأننا لم نتحرر بعد من عقدة المكان والطائفة والمذهب وبقية الموروثات والتركات الثقيلة، وهذا الكلام للمنطق وليس للسياسة، فهل يمكن أن نستوعب الدرس؟ أم أننا سنقوم باجترار التجارب الفاشلة في كل حركة سياسية عربية؟