مما يدعو للسخرية أن طهران المنغمسة كلياً برجالها وعتادها وإعلامها ودبلوماسيتها وخطبها في دعم نظام بشار الأسد في سوريا في القتال إلى جانبه، وفي تجنيد آلاف الرجال لهذه المهمة القتالية غير الشريفة وغير النظيفة، هي من يعقد اجتماعاً تشاورياً «هزيلاً» حول أفضل السبل لإيجاد حل سلمي للازمة السورية التي تحولت في النهاية إلى معركة إيرانية ليس ببعيد عنها الطابع الطائفي في تبريراته وتحالفاته وخطابه الإعلامي والسياسي.
وجه السخرية في الموضوع هنا أن إيران ينطبق عليها منطوق المثل الشعبي العربي: «يقتل القتيل ويمشي في جنازته»، فهي من يمد نظام بشار بالأكسجين اليومي ليكون قادراً على الاستمرار في القتل المنهجي، ومع ذلك تتحدث عن المعالجة السياسية في إطار الحوار الوطني «بما يضمن بقاء بشار في السلطة وديمومة محور المقاومة»!!!.
ويبدو أن طهران تحاول من خلال ذلك العمل على أكثر من جبهة من خلال سلسلة من الأفعال التي تحمل مفارقات من النوع المكشوف، فهي تحاول إثبات أنها طرف رئيس في حل الأزمة «عسكرياً أو سياسياً»، ولا يمكن للأطراف الأخرى تجاهل هذا الدور ونصيبه في أي صفقة قادمة، بما في ذلك ترتيبات مرحلة ما بعد الأسد في حال سقوطه أو هروبه، وهي في ذات الوقت تبذل كل جهد ممكن للإبقاء على هذا النظام المعزول دولياً وعربياً وإسلامياً فضلاً عن عزلته الداخلية الخانقة، ومن هذه المفارقات في المواقف الإيرانية يمكن أن نتوقف عند 3 منها:
المفارقة الأولى: محور المقاومة
يستميت النظام الإيراني في الدفاع عن نظام الأسد «البعث» في سوريا، تحت شعار الدفاع عن محور المقاومة، مع أن العالم كله بات يعرف حقيقة طبيعة هذه المقاومة الغريبة، في ضوء عجز النظام السوري وحلفاؤه لعقود في تحريك موضوع الجولان المحتل منذ أكثر من 40 عاماً «سياسياً وعسكرياً ومقاومةً!!!»، حيث تبدو القوات السورية على حدود الجولان المحتل وكأنها حارسة للاحتلال الإسرائيلي وتحول دون أي مقاومة، وفي مقابل ذلك نلحظ سهولة غير عادية في استخدام القوة المسلحة الضخمة «دبابات - طائرات مقاتلة - مدافع - صواريخ...» في دك المدن والقرى السورية بلا هوادة وقتل الآلاف وتسخير كافة الموارد اللازمة لتحقيق هذا الهدف بما في ذلك الحصول على دعم غير محدود بالسلاح والعتاد والرجال من إيران عبر العراق، وعبر لبنان.
المفارقة هي: أين هي المقاومة إذن؟ وأين محورها؟ وأين مفاعيلها على الأرض؟
المفارقة الثانية: تطابق إعلامي
الذي يتابع ما تنشره وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» لا يفاجئه أبداً التطابق الكامل بين الخطابين الرسميين للنظامين السوري والإيراني ليس بشأن الأزمة السورية فحسب، بل بشأن كافة القضايا المحلية والإقليمية والدولية، ولكن الذي يفاجئ به فعلياً أن أكثر من 25% من المادة الإعلامية «الخبرية والتحليلية والتقريرية» في الوكالة السورية هي مادة إيرانية شكلاً ومضموناً، حتى كأن «الوكالة السورية» قد أصبحت وكالة للتسويق الإعلامي الإيراني، فهي تعج بخطب وكلمات مرشد الجمهورية ورئيس الجمهورية الإيرانية ورئيس مجلس الشورى الإسلامي ووزير الخارجية ورئيس الحرس الثوري وصولاً إلى نسخ من خطب الجمعة لعدد من رجال الدين والمراجع الإيرانية، هذا فضلاً عن الحضور الدراماتيكي لتقارير صحيفة «جمهوري إسلامي» الإيرانية وافتتاحيات صحيفة «كيهان» الإيرانية، ومقالات الكاتب الإيراني مصطفى ملكوتيان حول «تآمر الغرب بالتعاون مع تركيا وبعض الأنظمة العربية الرجعية ضد سوريا جاء ضمن المخططات ضد قوى المقاومة في المنطقة والدول الداعمة لها» لافتاً إلى أن «سوريا وإيران تعتبران الدولتين الرئيسيتين اللتين تقفان جنباً إلى جنب في الخط الأمامي للمقاومة»!!
المفارقة الثالثة: العقيدة الطائفية
باعتبار أن الحكومة العراقية «في المنظور الإيراني» واقعة تحت تأثير ورحمة النظام في إيران الطائفي، حرص هذا النظام، على تحريض حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على الانغماس أكثر في دعم النظام في سوريا، وعدم الاكتفاء بالدعم الإعلامي والسياسي، والانتقال إلى مرحلة الدعم اللوجستي لتعزيز قدرات جيش نظام الأسد في مواجهة مقاتلي «الجيش السوري الحر»، وتشمل الطلبات الإيرانية من حكومة المالكي كما نشرت في الصحافة الإيرانية ذاتها: «إنشاء ممرات جوية وبرية آمنة بين إيران وسوريا عبر العراق، وأن تقوم الحكومة العراقية بإقراض النظام السوري قرضاً بالعملة الصعبة يصل إلى 5 مليارات دولار، وتصدير النفط العراقي عبر الأراضي السورية، وتزويد الحكومة السورية المشتقات النفطية، وفتح باب التطوع أمام آلاف المقاتلين الشيعة العراقيين، وقطع المساعدات النفطية العراقية المقدمة إلى الأردن، وتجميد العلاقات التجارية والدبلوماسية مع أنقرة، وتأمين بعض التسهيلات لمقاتلي حزب «العمال الكردستاني» التركي المعارض في شمال العراق لتعزيز الحرب ضد الجيش التركي، ووضع آلية فعالة لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين بغداد وطهران ودمشق بشأن تهديدات الجماعات المسلحة وبعض الحكومات في المنطقة». وباختصار فالمطلوب ضمن قائمة الطلبات الإيرانية هو حمل التحالف الشيعي الذي يقود حكومة المالكي على لعب أدوار أكبر وأكثر فعالية لضرب الثورة السورية، ولا شك أن المطلوب في النهاية هو إقناع العراق بالعقيدة السياسية الطائفية التي يتبناها النظامان السوري والإيراني في المنطقة في مواجهة محور إقليمي سني «تركي-أردني-خليجي» كما إن بعض التقارير أفادت أن رسائل إيرانية وصلت إلى قيادة التحالف الشيعي في العراق تحمل المالكي مسؤولية انهيار نظام الأسد إن لم يتحرك لمساندة الخطة الإيرانية الرادعة ضد الثورة السورية، وأن هذه الخطة لن يكتب لها النجاح من دون دور جذري للمالكي فيها. إلا أنه من الواضح أن المالكي لا يستطيع عملياً المضي قدماً في التنفيذ الحرفي لقائمة المطالب الإيرانية خوفاً من إشعال الفتنة الطائفية داخل العراق من جديد، وخوفاً من إغضاب الأمريكيين من ناحية ثانية.
هذا ما تزال الأيام تأتينا بالمزيد من المفارقات في الموقف الإيراني المستميت في الاصطفاف الطائفي والدفاع عن حلفاء من منظور طائفي لا أكثر ولا أقل.